اعتقد أن هنالك ترابطاً بين الأحداث العالمية وبين شهور السنة، وأن بداية الصيف هي التي تسيطر على التغيرات التاريخية في العالم، إلا أن هنالك استثناء للقاعدة في هذا المجال، فالثورة الفرنسية حدثت في صيف عام 1789، والثورة المصرية حدثت في صيف عام 1952، والتحول التاريخي في العراق حدث في صيف 2004، إلا أن الشعوب الحية تدرك أن البقاء للأفضل وحتى لحين.
في الأسبوع الماضي كان كل من العراق واليونان تحت المجهر، إلا أن أسباب ذلك كانت مختلفة تماماً، حيث أكدت اليونان كروياً أن عمل الفريق هو الذي يؤدي إلى الانتصار، وربما تقلب المعادلات، في حين أن الاعتماد على الفرد قد يقود إلى النصر إلا انه محكوم بمرحلة معينة، وبالتالي فإن النتائج تؤدي إلى كارثة وطنية كما حدث في بدايات كرة القدم على المستوى الأوروبي، لم يكن أحد يتوقع أن تلك الدول الهامشية والتي لا تشكل شيئاً يذكر في تاريخ كرة القدم، ستهزم تلك القوى المهيمنة على مدى سنوات طويلة، إلا أن البرتغال ناضل طويلاً، حتى وصل إلى النهائي، وهنا انبرى صاحبي وقال: هل تعتقد أن هنالك علاقة بين أغنية البرتقالة العراقية, وصعود الفريق البرتغالي إلى النهائيات، بل إلى التحدي على بطولة الكأس. وأي كأس, كأس الأمم الأوروبية!. ضحك وأردف قائلاً: إن الشيء المشترك هو البرتقالة!! وكأن الحالة العراقية تفرض نفسها عالمياً، حاولت أن أجد العامل أو العوامل المشتركة بين الحالتين إلا أنني لم أفلح في ذلك.
هل كان العالم يستمر مع الجذور التاريخية لليونان والعراق، ولكن في ظل ظروف عالمية مختلفة، بمعنى أن اليونان في ظل الاتحاد الأوروبي، والعمل من أجل إيجاد موقع على خريطة العالم في ظل نظام الاتحاد الأوروبي الذي يقاوم كل محاولات طمس دوره العالمي في الأحداث، يريد أن يؤكد أهمية التكتلات الدولية, والعودة إلى الاتحاد بين قوى كانت تتصارع إلى ما قبل نصف قرن من الزمان، إلى تحالف يؤكد على أهمية الاتحاد، وعدم الاهتمام بالتاريخ أو الصراعات الأيديولوجية في عالم لا يحترم إلا القوى.
هنا حاولت أن استرجع قواي العقلية ثانية في محاولة للربط بين كرة القدم أو الرياضة والسياسة, وأتذكر أنني قد أكدت على طلابي في سنوات طويلة أن هنالك علاقة قوية بين السياسة والرياضة، وأذكرهم دائماً بأجواء الحرب الباردة، وكيف كانت الرياضة تلعب دوراً في ذلك الصراع والذي أدى إلى الاهتمام بالرياضة، ولكن ليس من أجل الرياضة ولكن لأهداف سياسية، وأن كرة القدم هي نوع من أنواع التخدير للشعوب، والأندية الرياضية هي بدائل للأحزاب السياسية سواء في الدول المتقدمة أو الدول النامية أو غيرها من الدول, ولا يفوت الإنسان أن يذكر قصيدة أحمد فؤاد نجم التي غناها المبدع الشيخ أمام والتي أشار إلى فيها أن الكرة لم تنفع في إلهاء الناس عن قضاياهم المصيرية "لا الكورة نفعت ولا الأونطة ولا المناقشة وجدل بيزنطه..."، وكلنا نتذكر كم من حرب قامت من أجل كرة القدم وكم من الملايين تتدافع لشراء عالم من علماء كرة القدم، والهدف الأساسي هو الانتصار على العدو، حتى أن من يعرفون "بيليه" أكثر بكثير ممن يعرفون أي رئيس دولة سواء في الغرب أو الشرق؟ إنها سخرية القدر.
خرج لي صاحبي من جديد وقال مهلاً. هل تحاول أن تخرج عن الموضوع الرئيسي، وهو المقارنة بين اليونان والعراق، أو بين أم الحضارات وتلك التي أخرجت حمورابي أبو القوانين وحضارة وادي الرافدين، قلت مهلاً أيها الصديق إن بروز صدام حسين -الرئيس العراقي الأسبق- هو نموذج للقيادة الفردية والرأي الأوحد، والذي قد تلاعبت فيه كثير من القوى سواء الداخلية أو الخارجية، لأنه حاكم فرد يسهل التأثير عليه وتحريكه بهذا الاتجاه أو ذاك من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. وكانت النتيجة كارثية على الشعب العراقي الذي يملك كل إمكانيات النهوض فالعراق هو الأنموذج المثالي للنهضة حيث يملك جميع مقوماتها من أرض وثروة وشعب، ولكن الانفراد باتخاذ القرار جعل القدرات تذهب في الاتجاه الخطأ وكانت النتيجة أن دمر العراق ودول الجوار وأعطى كل المبررات لأن تتحكم قوى من الخارج بمصير هذه المنطقة حتى باتت بعض العناصر تهدد دول جوار العراق بأن تشن تلك القوى القادمة من الخارج هجوماً عليها انطلاقاً من أرض العراق.!
وإن يدعو إلى الشفقة, أن نجد هناك من يدافع عن هذا الحلم الخرافة، وكم هو محزن ذلك الموقف الذي يقف فيه السجين ليدافع عن سجانه والمقتول ليدافع عن قاتله، لأن من يقتل جزءاً من الأمة فكأنه قتل الأمة كلها، ولقد قتل صدام حسين الكثير الكثير من أبناء هذه الأمة في حروب أشعل فتيلها, والله وحده يعلم متى ينطفئ هذا الفتيل.
هذا هو الفرق بين ما آلت إليه حضارتان أمدتا العالم بتراث غني الأولى نهجت نهجاً ديمقراطياً, واتجهت نحو الوحدة والقيادة الجماعية فانتصرت في الاقتصاد والسياسة والرياضة أيضاً، والثانية سلمت مصيرها لقيادة فردية فخسرت كل شيء وهي تنتظر الآن من الذي سيكون له نصيب في حبل المشنقة. سؤال ندع الإجابة عنه للأيام